سورة الشعراء - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)}.
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور، فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة.
وقوله: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} أي: هذه آيات القرآن المبين، أي: البين الواضح، الذي يفصل بين الحق والباطل، والغي والرشاد.
وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ} أي: مهلك {نفسك} أي: مما تحرص عليهم وتحزن عليهم {أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، وهذه تسلية من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه، في عدم إيمان مَنْ لم يؤمن به من الكفار، كما قال تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].
قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، وعطية، والضحاك: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} أي: قاتل نفسك. قال الشاعر:
ألا أيّهذاَ البَاخعُ الحُزنُ نفسَه *** لشيء نَحَتْهُ عَنْ يَدَيه الَمقَادِرُ
ثم قال الله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} أي: لو شئنا لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهرا، ولكَّنا لا نفعل ذلك؛ لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري؛ وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119]، فنَفَذ قَدَرُه، ومضت حكمته، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم.
ثم قال: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} أي: كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس، كما قال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، وقال: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس: 30]، وقال: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 44]؛ ولهذا قال تعالى هاهنا: {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي: فقد كذبوا بما جاءهم من الحق، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].
ثم نبه تعالى على عظمته في سلطانه وجلالة قدره وشأنه، الذين اجترؤوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه، وهو القاهر العظيم القادر، الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم، من زروع وثمار وحيوان.
قال سفيان الثوري، عن رجل، عن الشعبي: الناس من نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} أي: دلالة على قدرة الخالق للأشياء، الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء، ومع هذا ما آمن أكثر الناس، بل كذبوا به وبرسله وكتبه، وخالفوا أمره وارتكبوا زواجره.
وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} أي: الذي عَزّ كلَّ شيء وقهره وغلبه، {الرحيم} أي: بخلقه، فلا يعجل على مَنْ عصاه، بل ينظره ويؤجله ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
قال أبو العالية، وقتادة، والربيع بن أنس، ومحمد بن إسحاق: العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره.
وقال سعيد بن جبير: الرحيم بِمَنْ تاب إليه وأناب.


{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)}
يقول تعالى مخبرًا عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران، صلوات الله وسلامه عليه، حين ناداه من جانب الطور الأيمن، وكلمه وناجاه، وأرسله واصطفاه، وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه؛ ولهذا قال: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} هذه أعذار سأل من الله إزاحتها عنه، كما قال في سورة طه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 25- 36].
وقوله: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} أي: بسبب ما كان من قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر.
{قَالَ كَلا} أي: قال الله له: لا تخف من شيء من ذلك كما قال: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} أي: برهانا {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 35].
{فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} كما قال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] أي: إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي.
{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وقال في الآية الأخرى: {إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ} [طه: 47] أي: كل منا رسول الله إليك، {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك، فإنهم عباد الله المؤمنون، وحزبه المخلصون، وهم معك في العذاب المهين. فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون عما هنالك بالكلية، ونظر بعين الازدراء والغمص فقال: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ. وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي: أما أنت الذي ربيناه فينا، وفي بيتنا وعلى فراشنا وغذيناه، وأنعمنا عليه مدة من السنين، ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة، أن قتلت منا رجلا وجحدت نعمتنا عليك؛ ولهذا قال: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي: الجاحدين. قاله ابن عباس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير.
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا} أي: في تلك الحال، {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي: قبل أن يوحى إليّ وينعم الله عليَّ بالرسالة والنبوة.
قال ابن عباس، رضي الله عنهما، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي: الجاهلين.
قال ابن جُرَيْج: وهي كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي: الحال الأول انفصل وجاء أمر آخر، فقد أرسلني الله إليك، فإن أطعته سَلمت، وإن خالفته عَطبت.
ثم قال موسى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: وما أحسنت إلي وربَّيْتني مقابل ما أسأتَ إلى بني إسرائيل، فجعلتهم عبيدا وخدما، تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك، أفَيَفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأتَ إلى مجموعهم؟ أي: ليس ما ذكرتَه شيئا بالنسبة إلى ما فعلتَ بهم.


{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)}
يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون، وتمرده وطغيانه وجحوده، في قوله: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}؟ وذلك أنه كان يقول لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54]، وكانوا يجحدون الصانع- تعالى- ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون، فلما قال له موسى: {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزخرف: 46]، قال له: ومَنْ هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف، حتى قال السدي: هذه الآية كقوله تعالى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49، 50].
ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم؛ أن هذا سؤال عن الماهية، فقد غلط؛ فإنه لم يكن مقرًا بالصانع حتى يسأل عن الماهية، بل كان جاحدًا له بالكلية فيما يظهر، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه، فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين: {قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي: خالق جميع ذلك ومالكه، والمتصرف فيه وإلهه، لا شريك له، هو الله الذي خلق الأشياء كلها، العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات، والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار، وجبال وأشجار، وحيوان ونبات وثمار، وما بين ذلك من الهواء والطيور، وما يحتوي عليه الجو، الجميع عبيد له خاضعون ذليلون.
{إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} أي: إن كانت لكم قلوب موقنة، وأبصار نافذة. فعند ذلك التفت فرعون إلى مَنْ حوله من مَلَئه ورؤساء دولته قائلا لهم، على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله: {أَلا تَسْتَمِعُونَ} أي: ألا تعجبون مما يقول هذا في زعمه: أن لكم إلها غيري؟ فقال لهم موسى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} أي: خالقكم وخالق آبائكم الأولين، الذي كانوا قبل فرعون وزمانه.
{قال} أي: فرعون لقومه: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} أي: ليس له عقل في دعواه أن ثمّ ربا غيري.
{قال} أي: موسى لأولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبهة، فأجاب موسى بقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} أي: هو الذي جعل المشرق مشرقًا تطلع منه الكواكب، والمغرب مغربًا تغرب فيه الكواكب، ثوابتها وسياراتها، مع هذا النظام الذي سَخّرها فيه وقدّرها، فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقًا فليعكس الأمر، وليجعل المشرق مغربًا، والمغرب مشرقًا، كما أخبر تعالى عن {الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258]؛ ولهذا لما غُلب فرعون وانقطعت حجته، عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه، واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى، عليه السلام، فقال ما أخبر الله تعالى عنه:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8